رشق السكين محمد المخزنجى

جريدة الصباح

وأنا أعبر الطريق إلى الرصيف الآخر حيث الكشك ، تذكرت الرجل الأسمر النحيف بائع الجرائد ، وكيف كانت ميتته صامتة ومنكسرة ، وقلت فى نفسى: لا بد أن الشاب الواقف بمكانه أمام الكشك هو ابنه ، وقد كنت أراه يرتدى سترة الرجل الرمادية الكالحة نفسها ، والرأس مدسوس فى الكاب القديم ذاته.
ضايقنى أن أمد يدى بالنقود طويلا ويتجاهلنى الولد ، وتذكرت الرجل وكيف كان وجهه الطيب يبش لى ، ويحتفى ، ويعطينى ما أطلب - أنا زبونه القديم - قبل الجميع ، ورحت أزفر محتجا متعجلا الولد ، مكررا عليه بضيق: " يالله يا ابنى . يالله يا ابنى " ، واستغربت أنه يمسك الجريدة التى أطلبها ، ويده قريبة من يدى التى تمتد بالنقود ، ومع ذلك يتردد ، ولا يعطينى.
وكمن يتذكر شيئا ذا أهمية ومعنى مر به للتو دون انتباه ، رفعت وجهى ملسوعا فاستبنت الملامح فى سمرة الوجه أمامى ، وعرفت أننى لم أكن مصغيا لصوت الهمس المتوسل الكسير الذى ظل يلح على سمعى كلما تعجلت: " أنا بنت يا أستاذ. أنا بنت. أنا بنت ".


رشق السكين محمد المخزنجى 


من مجموعة (رشق السكين)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق